الأحد، 13 أكتوبر 2013

العقل والشريعة

: إن أهم الأسس التي يقوم عليها صرح الأخلاق هو الإلزام، وان مصادر هذا الإلزام الوحي من الله سبحانه: (ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير) (14 ـ الملك) والعقل القوي الخالص من كل شائبة الذي يؤثّر ولا يتأثر، والضمير الذي يطمئن للخير ويباركه، وينفر من الشر ويشمئز لذكره، وإليه أشار الرسول الأعظم(ص) بقوله: ((البر ما اطمأن اليه القلب، والإثم ماحاك في القلب وتردد في الصدر)). وما من شك أن هذه المصادر الثلاثة تنتهي إلى مبدئ الخلق ومعيده، إلى الاول بلا أول كان قبله، ومعنى هذا أن الوحي هو الأصل الأصيل لكل واجب وإلزام سواء سميته خلقياً أم شرعياً، بل ان المصدر الحق الذي نقر به عن إيمان ونستند إليه عن يقين، ولا نقبل حوله أي نقد واعتراض أو شبهة وتشكك أو فلسفة وتحليل ـ فهو الوحي وحده لا شريك له، ويمكن أن نمنح ثقتنا هذه للعقل الذي قال له سبحانه: ما خلقت خلقاً أحب إليّ منك، ولكن أين هو هذا العقل المحبوب لله؟ ونفس الشيء نقوله في فطرة الله التي فطر الناس عليها.

أما العادة والتقاليد المعروفة عرفاً والمسلم بها عند الجماعة والمجتمع ـ فما هي من مصادر الإلزام في شيء.. وقال الاستاذ مقداد يالجن في كتابه الاتجاه الأخلاقي في الإسلام: ((أما الإسلام فيعتبر الله مصدر الإلزام في الدرجة الأولى.. والجماعة في الدرجة الثانية لأن المجتمع مسئولٌ عن انحراف الأفراد)).

وهذا اشتباه وغفلة لأن المجتمع ـ في عاداته وتقاليده ـ إن وافق نصاً أو أصلاً من الوحي كان هو المصدر وليس المجتمع، وان خالف الوحي نصاً وأصلاً فهو بدعة وضلالة(3) أما مسؤولية الجماعة فهي من باب النهي عن المنكر، قال سبحانه: (كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون) (79 ـ المائدة) ومن البديهة أن النهي والتناهي عن المنكرات شيء، ومصدر الأحكام والإلزام شيء آخر.

وقد يقول قائل: لماذا لا يُكتفى بالعقل يمده ويعاضده إلهام الضمير ووحيه كمصدر للإلزام، ويُستغنى به عن الوحي؟ أليس العقل دليل المؤمن على خالقه وحجة الله على عباده، وبه يُثيب ويُعاقب؟.

الجواب:

إن العقل لا يحيط بكل شيء علماً، والعقلاء لا يكتشفون كل مجهول بالفراسة والروية وإلا كانوا في غنى عن المدرسة والدراسة والتعلم والتجربة، وحلوا جميع مشكلاتهم بالتأمل العقلي المجرد، وصعدوا إلى المريخ بمجرد التخيل والصور الذهنية والمشاعر النفسية!.

أجل، ان العقل ينتقل من معلوم إلى مجهول كالانتقال من المقدمات إلى نتائجها ومن الأسباب إلى مسبباتها، ما في ذلك ريب، وأيضاً يدرك العقل تلقائياً أو بمشاركة الفطرة النقية أشياء معنوية كقبح الظلم والعدوان والنفاق والبهتان وما إلى ذلك من قسوة ولصوصية. وأيضاً يدرك الإنسان من داخله لا من خارجه حسن العدل والوفاء والنجدة والإباء، ونحو ذلك من ظاهرة إنسانية وفضيلة أخلاقية.

ولكن أين ذلك من شريعة تنظم وتشمل البشرية بكاملها، وتخطط لحياة سليمة وكريمة في شتى الجهات وعلى جميع المستويات في هذه الدار، وفي الآخرة خير وأبقى؟. وأثبت في العديد من مؤلفاتي أن هذه الشريعة العالمية لا تبلغها العقول، وأن خالق الطبيعة هو وحده واضع الشريعة..؟؟؟


ـــــــــــــــــــ
مقتبس...

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق