وَرَبِّـكَ ما مِنْ عُمْرِنَا لحظةُ الْفَنَا
يضِيقُ بها عمْرِي وإِنْ زِدْتَهُ عُمْرَا
ولـــكنَّها عُمُــرٌ بغيرِ تَواجُدٍ
ولا مذهبًا عنها ولا بـعـدَهَا قبْرَا
وليس بها عبدٌ ولا حـالُ عــابدٍ
ولم يَرَ مكـسورُ الفـؤادٍ لها جبرَا
يظلُّ شَـرِيدَ البالِ مفطومُ وصـلِها
ويكـرهُ طيبَ النومِ من ذاقها فجْرَا
وحـاشايَ فيـها منْ ضلالٍ بِكَوْنِهَا
ومَا قُلْـتُ ذا إِفْكًا وما قُـلتُهُ فخْرَا
فَحَـضْرَةُ قُـرْبِ الرَّبِّ فيها جَلالُه
تجـلَّى فأفْـنانَا فكـان ولا غَـيْرَا
وفيـها شـهودٌ ما لَهُ قَطْـعُ مَشْهَدٍ
ولا مُبْـتَدَى فيها ولا مُنْتَهَى يُدْرَى
وما غيرُ أهلِ الجمعِ فضُّوا حجابَهَا
وفي غـفلةٍ عنْهمْ لها واجَهُوا سِرَّا
تَنَبَّهْ لمَا أرْمِي وحَـيْثُ أُصِيبُ ذُقْ
فماذا أصابَ الغُصْنَ لايَشْتَكِي كسْرَا
كـذاكَ وساقَ العـبدِ حينَ صَلاتِه
ألا إِنَّهُ شُـغلٌ وجُعْ أو وهَبْ تَعْرَى
توحَّـدْ بِكَـوْنِ الْكَوْنِ واشهَدْ بعَيْنِهِ
وصلِّ بحالِ العـبْدِ وانعَمْ به دهْرَا
ونَـزِّهْ لِتَرْقَى فـيكَ دُنْـيَا بَصِيرَةٍ
وقارِبْ بِثَـوْبِ الذُّلِّ وارْعَ لَهُ كِبْرَا
إِشَارَاتُ تَنْـبـيهٍ لِمَنْ ذِي مَـدَارِكٍ
عَلَى العَيْنِ صِيغَتْ ما تُدَنِّي لَهُ فِكْرَا
ولا تَأْمَنْ الأَحُوَالَ عـندَ اقـترابِهَا
فكمْ رُدَّ طُرَّاقٌ لأََبـوابِـها قَـهْرَا
وفي حالِ فـضِّ الخَتْمِ والكُلُّ غَائِبٌ
تَيَقَّظْ ولاتَـخْتَرْ علَى أَمْـرِهِ أمْـرَا
وكـلُّ جـمَالٍ إِنْ ذكـرْنا جَمَالَهَا
قُـطَيْرَاتُ ماءٍ قابَلَتْ عـندَها بحْرَا
ونَـسْـتَدبِرُ الأسْمَى لمَا دُونَ قَدْرِهِ
قِرًى لِلْهَوَىوالنفسِ يابِئْسَ منْ يُقُرَى
فَيَـا راغِـبًا عَنها تـجَرَّعْ صُدُودَهَا
بكـأسٍ لنـفسٍ ماعَدَتْ حَظَّها شِبْرَا
فحـضرةُ قُرْبِ النُّـورِ في البُعْدِ نَارُها
وَرِدْهَا وَقُمْ مُسْـتَجْدِيًا وُدَّهَا أُخْرَى
ولا تَبُتَئِسْ وارْقُـبْ رِضَا الُحَقِّ لَمْحَةً
عسَى حِينَهَا تُدْعَى فَكُنْ سَاجِدًا شُكْرَا
تبسيط بعض المعاني من قصيدة: وربك ما من عمرنا.
المقصود
أن لحظة الفناء ليست خاضعة لحساب الزمن في عمر الإنسان، والمعروف أن
الفناء بمعناه الاصطلاحي هاهنا هو التخلي عن كل وإسقاط كل ما سوى الله (
ويقال فني عن غير الله أو فني في الله ) ومعناها أن الإنسان يخلص كل همه
وانشغاله بالله بما لا يدع له فرصة للإحساس بشيء مما حوله من الحياة أو
الدنيا التي تعد من الأغيار أي
مما سوى الله، وأن لحظة الفناء هذه لكونها ليست خاضعة لمقاييس الزمن ، فهي
بالتالي من البركة بحيث لا يسعها أو لا يعدلها عمر الإنسان وإن أضفت إليه
أعمارا أخرى، ثم يأتي الاستطراد بأنه عمر بغير تواجد، بمعنى أنك إذا كنت
تشعر بتواجدك في هذه الدنيا فأنت في لحظة الفناء فان حتى عن نفسك باعتبارك
من الأغيار أيضا فأنت لا تحس بوجودك في هذه الحالة فأنت تعاين أمرا لست
موجودا فيه وإنما تشهده بحضورك الذاتي لا بوجودك الحسي، وهي كذلك لا يحدها
القدوم إليها والذهاب عنها كأي مكان له هذه الحدودية، وكذلك ليس للخارج
منها دفن بقبر كما الحال للحي بالواقع المادي ، فكيف يقبر الخارج منها وهو
لم يكن فيها بجسد ! ، وقد قلنا أن الإنسان يفنى فيها حتى عن نفسه ،
فبالتالي يكون الرب قيوما مهيمنا ، ولا يكون العبد موجودا فليس بهذه الحالة
عبد يعبد ربه ولا حال عابد، وما أقسى أن يفطم عن هذه الحضرة من عرفها وذاق
الحضور بها، ولم يصل إلى هذه الحضرة إلا من ترقى في حاله إلى أن صار من
أهل الجمع، وهم الذين كوشفوا بحضرات العبودية كافة، وعبروا مقامات السالكين
إلى الله وخلصوا منها سالمين بغير خلط أو أوحال توحيد أو فساد عقيدة، وهم
لا يصلون غليها اجتهادا، وإنما يجذبون إليها دو تحسبا لمواجهة هذا المقام
الرفيع، وحاشا أن يفهم ذلك على أنه مقصود به مشاهدة رب العزة جل شأنه فذلك
لا نقول به قط، وشتان بين شهود الحضرة وبين مشاهدة رب الحضرة، وإنما حدود
هذا المقام نبينه في استغراق حالة تسبيح الموجودات والكائنات والجمادات
لربها ( وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم )، ولا نقول
بفقه هذا التسبيح، فأنت تعيش جذبة هذه التسبيحة الواحدة الممتدة منذ النشأة
حتى الهلاك دون أن تحس ما حولك ولا يعنيك كيف تؤدي الأشياء هذه التسبيحة
فلا يشغلك في هذه الجذبة سوى من أنت منجذب أو مأخوذ إليه بكليتك، وهذه هي
حال النبات الذي لا يشكو كسر أحد فروعه لانشغاله عن نفسه وعما حوله بهذه
الجذبة فهو أفنى في نفسه نفسه وكل الأغيار ، وهذه هي حالة الصحابي الذي قال
ابتروا ساقي إذا دخلت في الصلاة، فهو أيضا كان لا يحس بما حوله ولا بنفسه،
وبالتالي هو في هذه الحال يستوي عنده أن يكون جائعا أو طاعما ، كاسيا أو
عاريا، والقول بالتوحد بكون الكون أي استشعر انجذاب الموجودات لربها انجذاب
إخلاص ، والقول وصلي بحال العبد ، وقد قلنا وليس بها عبد ولا حال عابد ،
فغنما المقصود به صلي بحال ذلك الصحابي الذي بترت ساقه في الصلاة، فهو عبد
فني عن عبوديته وبشريته بجملتها، وكان فيما تقدم إشارات تنبيه لمن يدرك
المعاني التي نرمي إليها، ثم نعقب بأن رغم كل هذا الاختصاص فلا تكن آمنا
فلعل بعد ذلك لا يؤذن لك بالدخول إلى الحضرة الأسمى في الآخرة، وإن كنت ممن
عرفوا ولم يلزموا فتجرع مر الحجاب وعش في حضيض حجابك، وكما أشرنا إلى
الحذر في حال الرضا والقرب، فلا نقول باليأس في حال الحجاب، فعسى يصيبك
الرضا وتدعى فكن ساجدا شكرا..؟؟؟
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مقتبس
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق