الاثنين، 14 أكتوبر 2013

ما جاء في الصمت و حفظ اللسان

:اعلم أن اللسان من أجل نعم الله تعالى إذ به تميز الإنسان عن سائر الحيوان و هو أفضل الحواس جميعها فإن العين لا تصل إلى غير الألوان و الصور و الأذن لا تصل إلى غير الأصوات و اليد لا تصل إلى غير الأجسام و كذلك سائر الأعضاء و اللسان رحب الميدان ليس له مرد و لا لمجاله منتهى و لا حد فله في الخير مجال رحب و له في الشر مجر و سحب فمن أطلق عذبة عنان لسانه ساقه إلى شفا جرف
هار إلى أن يضطره إلى البوار و لا يكب الناس على مناخرهم في النار إلا حصائد ألسنتهم فلا ينجى منه إلا أن يقيد بلجام الشرع فلا يطلقه إلا فيما ينتفع به في الدنيا و الآخرة .
فإن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال : من صمت نجا .
و قال (صلى الله عليه وآله وسلم) : الصمت حكم و قليل فاعله .
أي هي حكمة و حزم .
قال بعضهم : يا رسول الله صلى الله عليك أخبرني عن الإسلام بأمر لا أسأل عنه أحدا بعدك قال قل آمنت بالله ثم استقم قلت فما أتقي فأومأ بيده إلى لسانه .
و قال عقبة بن عامر : قلت يا رسول الله صلى الله عليك ما النجاة قال املك عليك لسانك و ليسعك بيتك و ابك على خطيئتك .
[105]

و قال (صلى الله عليه وآله وسلم) : من وقى شر قبقبه و ذبذبه و لقلقه فقد وقي .
و القبقب البطن و الذبذب الفرج و اللقلق اللسان فهذه الشهوات الثلاثة بها هلك أكثر الخلق .
و قال معاذ بن جبل : قلت يا رسول الله صلى الله عليك أ نؤاخذ بما نقول فقال ثكلتك أمك يا ابن جبل و هل يكب الناس على مناخرهم في نار جهنم إلا حصائد ألسنتهم .
و قال (صلى الله عليه وآله وسلم) : لا يستقيم إيمان عبد حتى يستقيم قلبه و لا يستقيم قلبه حتى يستقيم لسانه و لا يدخل الجنة رجل لا يأمن جاره بوائقه .
و قال (صلى الله عليه وآله وسلم) : من سره أن يسلم فليلزم الصمت .
و عن ابن مسعود : أنه كان على الصفا يلبي و يقول يا لسان قل خيرا تغنم أو أنصت تسلم من قبل أن تندم قيل له يا أبا عبد الرحمن هذا شيء تقوله أو شيء سمعته قال لا بل سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول إن أكثر خطايا ابن آدم في لسانه .
و روي : أن عمر اطلع على أبي بكر و هو يمد لسانه فقال ما تصنع فقال إن هذا أوردني الموارد .
و قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : من كف لسانه ستر الله عورته و من ملك غضبه وقاه الله عذابه و من اعتذر إلى الله قبل الله عذره .
و روي : أن معاذ بن جبل قال يا رسول الله صلى الله عليك أوصني قال اعبد الله كأنك تراه و اعدد نفسك مع الموتى و إن شئت أنبأتك بما هو أملك لك من هذا كله و أشار بيده إلى لسانه .
قيل جاء أعرابي إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال دلني على عمل أدخل به الجنة قال أطعم الجائع و اسق الظمآن و أمر بالمعروف و انه عن المنكر فإن لم تطق فكف لسانك إلا من خير فإنك بذلك تغلب الشيطان .
و قال (صلى الله عليه وآله وسلم) : إن الله عند لسان كل قائل فليتق الله امرؤ و علم ما يقول .
[106]

و قال (صلى الله عليه وآله وسلم) إذا رأيتم المؤمن صموتا وقورا فادنوا منه فإنه يلقي الحكمة .
و قال (صلى الله عليه وآله وسلم) : : إن لسان المؤمن وراء قلبه فإذا أراد أن يتكلم بشيء يدبره بقلبه ثم أمضاه بلسانه و إن لسان المنافق أمام قلبه فإذا هم بالشيء أمضاه بلسانه و لم يتدبره بقلبه .
و قال عيسى (عليه السلام) : العبادة عشرة أجزاء تسعة منها في الصمت و جزء في الفرار من الناس .
الآثار .
قال وهب بن منبه في حكمة آل داود : حق على العاقل أن يكون عارفا بزمانه حافظا للسانه مقبلا على شأنه .
قال عمر بن عبد العزيز : من أكثر ذكر الموت رضي من الدنيا باليسير و من عد كلامه من عمله قل كلامه فيما لا يعنيه .
و فيما ذكرناه من كلام رسول (صلى الله عليه وآله وسلم) و الآثار من مدح الصمت ما يغني عن إيراد زيادة عليه و الأولى ترك الكلام فيما لا يعنيك.
اعلم أن أحسن الأحوال أن تحفظ لسانك عن الغيبة و الكذب و المراء و النفاق و غير ذلك و تتكلم بما هو مباح لا ضرر فيه عليك و لا على مسلم أصلا ثم لا تتكلم بما أنت مستغن عنه و لا حاجة بك إليه فإنك تضيع زمانك و تحاسب على قدر عمل لسانك و تستبدل الذي هو أدنى بالذي هو خير لأنك لو صرفت الكلام إلى الفكر ربما كان ينفتح لك من نفحات رحمة الله عند الفكرة ما يعظم جزاؤه و لو هللت الله سبحانه و تعالى و سبحته و حمدته و ذكرته لكان خيرا لك فكم من كلمة يبنى بها قصر في الجنة و من قدر أن يأخذ كنزا من الكنوز فأخذ بدله مدرة لا ينتفع بها كان خاسرا خسرانا مبينا و هذا مثل من ترك ذكر الله و اشتغل بمباح لا يعنيه فإنه
[107]

و إن لم يأثم فقد خسر ربح العظيم بترك ذكر الله فإن المؤمن لا يكون صمته إلا فكرا و نظره إلا عبرة و نطقه إلا ذكرا هكذا .
قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) : بل رأس مال العبد أوقاته .
و مهما صرفه إلى ما لا يعنيه و لم يدخر به ثوابا في الآخرة فقد ضيع رأس ماله و لهذا .
قال (صلى الله عليه وآله وسلم) : من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه .
قال أبو ذر رضي الله عنه : قال لي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أ لا أعلمك بعمل خفيف على البدن ثقيل في الميزان قلت بلى يا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) صلى الله عليك قال هو الصمت و حسن الخلق و ترك ما لا يعنيك .
و لما كانت أوقات الإنسان هي رأس ماله فمتى ضيعها خسر فينبغي له أن لا يتكلم فيما لا يعنيه من المباح فضلا عن غيره و هو أنه ربما جلس إلى أقوام و حكى ما شاهده في أسفاره من جبال و أنهار و وقائع و مما استحسنه من الأطعمة و الثياب فهذه أمور إن سكت عنها لم يأثم و إن تكلم لها لم يغنم و إذا بلغ في الاجتهاد حتى لم يمتزج حكايته عن زيادة و نقصان و تزكية نفسه و لا اغتياب شخص و لا مذمته بشيء فأنت مع ذلك كله مضيع زمانك و أنى تسلم من الآفات و ربما سألت غيرك عما لا يعنيك فأنت بالسؤال عنه مضيع زمانك و قد ألجأت صاحبك أيضا إلى التضييع فإنك تسأله عن عبادته فتقول هل أنت صائم فإن قال نعم كان مظهرا عبادته فيدخل عليه الرياء و إن لم يدخل سقطت عبادته من ديوان السر و عبادة السر التي تفضل على عبادة الجهر بدرجات و إن قال لا كان كاذبا و إن سكت كان مستحقرا إياك و تأذيت به و إن حال لمدافعة الجواب افتقر إلى جهد و تعب فيه فقد عرضته بالسؤال إما للرياء أو للكذب أو للاستحقار أو للتعب في حيلة الدفع و كذلك سؤالك عن سائر عباداته و كذلك سؤالك عن المعاصي و عن كل ما يخفيه و يستحيي منه و سؤالك عما يحدث به عن غيره فيقول ما ذا تقول و فيم أنتم و من ذلك أنه رئي رجل عليه جبة صوف فقيل له لم لبست هذه الجبة فسكت فقيل له لم لا تجب فقال إن قلت زهدا فأمدح نفسي و أخشى أن أقول فقرا فأذم ربي .
[108]

و روي : أن لقمان (عليه السلام) دخل على داود (عليه السلام) و هو يسرد درعا و لم يكن رآها قبل ذلك .
فجعل يتعجب مما رأى فأراد أن يسأله عن ذلك فمنعته الحكمة فأمسك نفسه و لم يسأله فلما فرغ قام داود ع و لبسها .
ثم قال نعم الدرع للحرب فقال لقمان (عليه السلام) الصمت حكم و قليل فاعله .
أي حصل العلم من غير سؤال و استغنى عن السؤال و قيل كان يتردد إليه سنة .
و هو يريد أن يعلم ذلك و لم يسأل فترك السؤال فيه عما لا يعني و ترك الكلام فيما لا يعني .
هو راحة عظيمة و فائدة جليلة و لا تصح له هذه الحالة إلا بأن يجعل الموت بين عينيه و أنه مسئول عن كل كلمة و أنفاسه محصية عليه لقوله تعالى وَ إِنَّ عَلَيْكُمْ لَحافِظِينَ كِراماً كاتِبِينَ و قوله تعالى ما يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ أ ما يستحيي أحدكم أن لو نشرت صحيفته التي أملأها صدر نهاره و كان أكثر ما فيها ليس من أمر دينه و لا دنياه .
قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) : طوبى لمن أمسك الفضل من لسانه .
و أنفق الفضل من ماله .
فانظر كيف قلب الناس ذلك فأمسكوا فضل المال و أطلقوا فضل اللسان ..؟؟؟



عن كتاب الخواطر ونزهة النوادر / ج1
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق